إنها المرة الأولى التي أستعرض فيها كتابا ، حيث أنه يمكن إعتباري قاريء جيد لا ناقد جيد ولا أكثر من ذلك ، ولكن هذا الكتاب تحديدا استوقفني فور صدوره على الرغم من أنني قرأت أغلب محتواه من قبل على مدار سبع سنوات تقريبا ! والغريب في الأمر أنني لم أهتم بمحتوى الكتاب حينما كان على صورته الرقمية ، ما إن تمت طباعته وأصبح كتابا من لحم ودم حتى بدأت أندهش من كوني لم أنبهر من قبل بما يكتبه ميشيل .
الكتاب بعنوان الجانب المظلم من القمر ، مجموعة قصصية من إصدار الهيئة العامة لقصور الثقافة وهو للكاتب الدكتور ميشيل حنا والذي كان من الحتمي أن أتحدث عنه أثناء عرضي للكتاب والذي يحمل جزءا كبيرا من شخصية ميشيل ، وميشيل صديق قديم ، عملنا سويا منذ عام ألفين وواحد تقريبا بالعديد من المجلات ويمكن اعتبارنا مثالا رائعا للوحدة الوطنية الهلال مع الصليب ههههههه ، وهو شخصية سوداوية تحمل قدرا كبيرا من الكآبة ويستهويه الفكر السادي الذي يتناول الجانب المظلم أو الوجه القبيح من الحياة ويجعلها إلى الكوابيس أقرب . تحمل قصصه قدرا هائلا من البشاعة ولكن بالرغم من ذلك لن يمكنك أبدا لومه ، فما يتناوله من أفكار لا يعد شيئا يذكر من واقع الحياة الأكثر بشاعة إن تحدثنا بصدق مطلق . والغريب مع ميشيل أنه كاتب متميز للغاية ولا يبدو عليه ذلك فهو شخصية هادئة جدا وخجولة ، وأكثر ما يميزه هو التفرد والإتيان بما لم يسبق لأحد أن حاول التفكير فيه أساسا ، في إحدى تدويناته يصف شعوره حينما عثر على بونبوناية في جيب بنطاله الذي لم يرتديه منذ فترة طويلة ! هذا الحادث البسيط أو الذي يمكن للبعض إعتباره تافها وغير ذي قيمة أمكن لميشيل أن يجد به حالة خاصة تستحق الكتابة عنها وهو كاتب بارع بالفعل ، ربما هي العبقرية ، هكذا ينظر ميشيل للأشياء من منظور دائما يختلف عن نظرتنا نحن للأشياء البسيطة ويجد بها فلسفة خاصة ، وهو أحد الجوانب المميزة لمجموعته القصصية .
في قصة البقية في حياتك يتناول موقفا ساخرا عبثيا مريرا مدهشا على قدر عجيب من الغرابة يجعلك تتسائل : من أين يأتي بهذه الأفكار ؟ أم أن هذه مواقف شخصية يسردها على لسانه هو ؟! ، وفي القصة يحكي عن شخص ذهب لقضاء واجب العزاء بالكنيسة ولكنه يكتشف وبعد أن جلس بين المعزين أن سوستة بنطاله مفتوحة ! وطوال القصة يحاول البطل أن يتدارك هذا الموقف شديد الإحراج ويصف بالتفصيل محاولات البطل المسكين لغلق السوستة دون أن يشعر به أحد ، هذه القصة تحديدا تعتبر أفضل ما يعبر عن أسلوب ميشيل الذي ينتمي إلى السخرية السوداء ، سخرية مريرة وربما كئيبة وقاسية ، سخرية لا تهدف إلى إضحاكك ولكنها تكشف لك عن الجانب المرير من الحياة كما يراها ميشيل . ففهي هذه القصة لم يعد الموت على أي قدر يذكر من الأهمية أمام سوتستة بنطال مفتوحة لأحد المعزين ! هل تشعرون بما أشعر به ولا أستطيع التعبير عنه ؟
قصة نعيق الغراب يصعب الحديث عنها ، وكذلك سقوط أزهار البرقوق ، بالفعل حاولت التعليق عل أي منهما وفشلت ، وهذا في صالح ميشيل بالمناسبة ! حيث أنني مقتنع أنك إذا فشلت في أن تلخص فكرة قصة فتأكد أنها إما سخيفة جدا أو عبقرية جدا تجعلك تخشى من مجرد التعليق عليها فتظلمها وتحصر معناها في جملتين ، كل ما يمكن قوله أن أبطال ميشيل في قصصه يعيشون في عالم خاص يشبه عالمنا كما نعرفه ولكن من زاوية أخرى أو من منظور آخر ، الجانب المظلم من القمر هو عنوان عبقري لهذه المجموعة ولا أعرف إن كان ميشيل قد أدرك أنه يعبر وبشدة عن أفكاره أم أن هذا تم بفعل عقله الباطن .
بالمناسبة فإن الدكتور علاء الأسواني شديد الإعجاب بقصة نعيق الغراب واستطاع أن يجد بها مالم يكن ميشيل نفسه يعرفه أو يقصده ، وهي واحدة من الدلائل التي تشير إلى عبقرية ميشيل التي يفرزها لا إراديا، حيث أن قصصه تحمل ما يمكن تفسيره على مستويات عديدة ربما تدهش ميشيل نفسه وتجعله يضحك ويقول أنه لم يقصد ذلك !
قصة الخطأ الكبير تتحدث عن نكبة سفر الرجال إلى دول الخليج تاركين أسرهم هنا ينعمون بما يرسلونه من أموال النفط ، قصة تشعرك بالغيظ وأنت تقرأ عن ماهيتاب التي ملأت البانيو باللبن كي تحصل على بشرة ناعمة ونضرة ولكنها تقززت من رائحة اللبن فتخلصت منه بالبالوعة ، وعن أيمن الذي جعله الفراغ والعيشة الرغدة يبحث عن المتعة في تجربة كل شيء وأي شيء مهما كان سخيفا ، وفي النهاية نجد أن الطفلين لم يهتما بموعد وصول والدهما الذي هو في الأساس سبب ما يعيشان فيه من نعيم وصل إلى درجة العبث ، وهو طابع نجده في رواية يوتوبيا التي صدرت بعد ذلك حيث المدينة الرغدة المرفهة التي وصل سكانها إلى مرحلة الاستهانة بالحياة سواء حياتهم أو حياة الآخرين .
أما نبضات أخيرة قبل الفناء ، فهي مذكرات جثة متعفنة ! ، جثة تحكي قصتها منذ أن قتلت وحتى تحولت إلى تراب ، قصة غريبة جدا ولا أعرف ما الهدف منها ولكنها مدهشة .
أعتقد أنه أسوأ عرض لكتاب في التاريخ ، العرض الذي تحدثت فيه عن عدم مقدرتي لتقديم عرض جيد !
من الآخر
إذا أردت أن تقرأ شيئا غريبا وجديدا وغير مسبوق كمذاق الشاي بالكيوي أو القهوة بالليمون فعليك بقصص ميشيل حنا وتعرّف على هذا العالم المقبض الكئيب البشع والذي بالرغم من ذلك لا يمكنك إلا أن تنبهر به وتعجب به بل وتدمنه .
الكتاب بعنوان الجانب المظلم من القمر ، مجموعة قصصية من إصدار الهيئة العامة لقصور الثقافة وهو للكاتب الدكتور ميشيل حنا والذي كان من الحتمي أن أتحدث عنه أثناء عرضي للكتاب والذي يحمل جزءا كبيرا من شخصية ميشيل ، وميشيل صديق قديم ، عملنا سويا منذ عام ألفين وواحد تقريبا بالعديد من المجلات ويمكن اعتبارنا مثالا رائعا للوحدة الوطنية الهلال مع الصليب ههههههه ، وهو شخصية سوداوية تحمل قدرا كبيرا من الكآبة ويستهويه الفكر السادي الذي يتناول الجانب المظلم أو الوجه القبيح من الحياة ويجعلها إلى الكوابيس أقرب . تحمل قصصه قدرا هائلا من البشاعة ولكن بالرغم من ذلك لن يمكنك أبدا لومه ، فما يتناوله من أفكار لا يعد شيئا يذكر من واقع الحياة الأكثر بشاعة إن تحدثنا بصدق مطلق . والغريب مع ميشيل أنه كاتب متميز للغاية ولا يبدو عليه ذلك فهو شخصية هادئة جدا وخجولة ، وأكثر ما يميزه هو التفرد والإتيان بما لم يسبق لأحد أن حاول التفكير فيه أساسا ، في إحدى تدويناته يصف شعوره حينما عثر على بونبوناية في جيب بنطاله الذي لم يرتديه منذ فترة طويلة ! هذا الحادث البسيط أو الذي يمكن للبعض إعتباره تافها وغير ذي قيمة أمكن لميشيل أن يجد به حالة خاصة تستحق الكتابة عنها وهو كاتب بارع بالفعل ، ربما هي العبقرية ، هكذا ينظر ميشيل للأشياء من منظور دائما يختلف عن نظرتنا نحن للأشياء البسيطة ويجد بها فلسفة خاصة ، وهو أحد الجوانب المميزة لمجموعته القصصية .
في قصة البقية في حياتك يتناول موقفا ساخرا عبثيا مريرا مدهشا على قدر عجيب من الغرابة يجعلك تتسائل : من أين يأتي بهذه الأفكار ؟ أم أن هذه مواقف شخصية يسردها على لسانه هو ؟! ، وفي القصة يحكي عن شخص ذهب لقضاء واجب العزاء بالكنيسة ولكنه يكتشف وبعد أن جلس بين المعزين أن سوستة بنطاله مفتوحة ! وطوال القصة يحاول البطل أن يتدارك هذا الموقف شديد الإحراج ويصف بالتفصيل محاولات البطل المسكين لغلق السوستة دون أن يشعر به أحد ، هذه القصة تحديدا تعتبر أفضل ما يعبر عن أسلوب ميشيل الذي ينتمي إلى السخرية السوداء ، سخرية مريرة وربما كئيبة وقاسية ، سخرية لا تهدف إلى إضحاكك ولكنها تكشف لك عن الجانب المرير من الحياة كما يراها ميشيل . ففهي هذه القصة لم يعد الموت على أي قدر يذكر من الأهمية أمام سوتستة بنطال مفتوحة لأحد المعزين ! هل تشعرون بما أشعر به ولا أستطيع التعبير عنه ؟
قصة نعيق الغراب يصعب الحديث عنها ، وكذلك سقوط أزهار البرقوق ، بالفعل حاولت التعليق عل أي منهما وفشلت ، وهذا في صالح ميشيل بالمناسبة ! حيث أنني مقتنع أنك إذا فشلت في أن تلخص فكرة قصة فتأكد أنها إما سخيفة جدا أو عبقرية جدا تجعلك تخشى من مجرد التعليق عليها فتظلمها وتحصر معناها في جملتين ، كل ما يمكن قوله أن أبطال ميشيل في قصصه يعيشون في عالم خاص يشبه عالمنا كما نعرفه ولكن من زاوية أخرى أو من منظور آخر ، الجانب المظلم من القمر هو عنوان عبقري لهذه المجموعة ولا أعرف إن كان ميشيل قد أدرك أنه يعبر وبشدة عن أفكاره أم أن هذا تم بفعل عقله الباطن .
بالمناسبة فإن الدكتور علاء الأسواني شديد الإعجاب بقصة نعيق الغراب واستطاع أن يجد بها مالم يكن ميشيل نفسه يعرفه أو يقصده ، وهي واحدة من الدلائل التي تشير إلى عبقرية ميشيل التي يفرزها لا إراديا، حيث أن قصصه تحمل ما يمكن تفسيره على مستويات عديدة ربما تدهش ميشيل نفسه وتجعله يضحك ويقول أنه لم يقصد ذلك !
قصة الخطأ الكبير تتحدث عن نكبة سفر الرجال إلى دول الخليج تاركين أسرهم هنا ينعمون بما يرسلونه من أموال النفط ، قصة تشعرك بالغيظ وأنت تقرأ عن ماهيتاب التي ملأت البانيو باللبن كي تحصل على بشرة ناعمة ونضرة ولكنها تقززت من رائحة اللبن فتخلصت منه بالبالوعة ، وعن أيمن الذي جعله الفراغ والعيشة الرغدة يبحث عن المتعة في تجربة كل شيء وأي شيء مهما كان سخيفا ، وفي النهاية نجد أن الطفلين لم يهتما بموعد وصول والدهما الذي هو في الأساس سبب ما يعيشان فيه من نعيم وصل إلى درجة العبث ، وهو طابع نجده في رواية يوتوبيا التي صدرت بعد ذلك حيث المدينة الرغدة المرفهة التي وصل سكانها إلى مرحلة الاستهانة بالحياة سواء حياتهم أو حياة الآخرين .
أما نبضات أخيرة قبل الفناء ، فهي مذكرات جثة متعفنة ! ، جثة تحكي قصتها منذ أن قتلت وحتى تحولت إلى تراب ، قصة غريبة جدا ولا أعرف ما الهدف منها ولكنها مدهشة .
أعتقد أنه أسوأ عرض لكتاب في التاريخ ، العرض الذي تحدثت فيه عن عدم مقدرتي لتقديم عرض جيد !
من الآخر
إذا أردت أن تقرأ شيئا غريبا وجديدا وغير مسبوق كمذاق الشاي بالكيوي أو القهوة بالليمون فعليك بقصص ميشيل حنا وتعرّف على هذا العالم المقبض الكئيب البشع والذي بالرغم من ذلك لا يمكنك إلا أن تنبهر به وتعجب به بل وتدمنه .