ــ بتحبها ؟
يقولها وهو يطالع ملفا ضخما ، جفنيه مرتخيين في هدوء ، وإن كانت عيناه تلمعان في حماسة واضحة من وراء عويناته الطبية للحظات وهو ينظر إلى الشخص الجالس أمامه في إنكسار .
ــ بتحبها ؟
يطول الصمت ، يضع الملف على الطاولة المستطيلة التي تفصلهما ، يعقد زراعيه فوق صدره وينظر إلى سقف الغرفة بعد أن يلقي بعويناته في حركة ملولة فوق الملف ، فتستقر على وضع يتيح له التسلية باختلاس النظر إلى صورة مريضه المنبعجة عبرها بشكل كاريكاتوري .
ــ ماهو عشان أقدر أساعدك لازم تجاوبني
ــ ما إنت عارف يا دكتور
ــ المهم إن إنت اللي تكون عارف
تهتز ساق المريض أسفل الطاولة ، وترتعش أصابع يديه بحركة لا إرداية ، يفرك ذقنه المشعثة ، ينظر بعيدا إلى نقطة وهمية بجانبه متحاشيا نظرات الطبيب الباردة ، يشعر بالعري الكامل ، ويزداد إحساسه بالعجز .
ــ أيوة بحبها
يفلت الطبيب أحد ذراعيه وينقر على الطاولة بإصبعه نقرتين ويعيد عقد ذراعيه فوق صدره مرة أخرى .
ــ من فضلك بص لي وإنت بتجاوب .
تحتبس الدموع بعينا المريض ، يهز رأسه للحظات ، ويلتفت ناظرا له بكراهية ، ولكن المؤسف أن النظرة حملت بالرغم من ذلك قدرا هائلا من التوسل والضعف .
يبتسم الطبيب ، يلتقطت قلمه الفاخر من جيب معطفه ، ويسحب ورقة يضعها أمامه ، يعيد ارتداء عويناته ويبدأ في السؤال بنبرة أكثر برودا وإن حاول ــ بقدر ما تتيحه طبيعته العملية ــ أن يكون ودودا :
ــ طيب ، قوللي يا أحمد ، تفتكر لو إرتبًطِت بشخص تاني ، حتفضل برضه تحبها ؟
تفلت دمعة ، فيسارع بمسحها بإصبعه مجيبا بصوت مرتعش
ــ أيوة
ــ طيب وإيه شعورك لما تتخيل إنها معاه ، بين أحضانه ؟
ــ ....
ــ حتفضل برضه تحبها ؟
تحمر أنفه ويبدأ في النهنهة بصوت مكتوم ، يشيح بوجهه للحظات ثم يعاود النظر إلى عينا الطبيب المتسائلة
ــ أيوة حفضل أحبـ ....
يقاطعه الطبيب بحركة فجائية وهو يظهر صورة كان قد وضعها مقلوبة على مقربة من الملف ويقربها من وجهه .
ــ وكده ؟ لسة بتحبها ؟
ينظر إلى الصورة مصدوما ، تتسع عيناه في فزع ، ويمد يدا مرتعشة للامساك بها ، يفقد السيطرة على مشاعره وينخرط في نوبة من البكاء الهيستيري ، يتجاهله الطبيب تماما لدقائق وهو يشعل لفافة تبغ ويزفر دخانها بلامبالاه مراقبا مريضه وهو يمزق الصورة بعد أن عجز عن مواصلة النظر فيها .
ــ قل لي حاسس بإيه ؟ بتفكر في إيه ؟ الانتقام ؟
ــ لأ
يصرخ بها ، فيسحب الطبيب نفسا آخر من سيجارته مبتسما ، يدون شيئا ما بالورقة ويعاود السؤال :
ــ يعني لسة بتحبها ؟
ــ أيوة ، أيوة بحبها
يمسح خيطا من المخاط سال من أنفه وامتزج بدموعه وقد أدرك الطبيب نجاحه في جعل مريضه يفضي بكل ما يعتمل في صدره من مشاعر بلا خجل ، ربما كانت رغبة في التخفيف عن ذلك الثقل الجاثم على قلبه ، وربما كان تبريرا لمظاهر ضعفه التي تجاوزت حد المهانة الكاملة لكرامته .
ــ أيوة بحبها وحفضل أحبها ، كتير كانت بتصدني ، كانت بتعاملني بلامبالاه ، باحتقار ، أي حد عنده كرامه كان حيسيبها من أول لحظة تبين رفضها ليه ، إنما أنا ... أنا مقدرتش .. مقدرتش يا دكتور .. مش قادر .
ينفض الطبيب رماد سيجارته ويسأل بنفس النبرة الباردة :
ــ طيب تقدر تقوللي إنت بتحبها ليه ؟
تعاوده نوبة البكاء ، يدفن رأسه بصدره وهو ينتفض ، ويجيب بصوت اختلط بلعابه :
ــ مش عارف .. والله العظيم ما أعرف ليه .. أوقات كتير كنت بحس إني مريض بيها ، عمري ما كنت أتخيل إني أحب واحدة زيها ، إنما ده اللي حصل ، حاولت أنساها ، عملت أي حاجة وكل حاجة ممكن تتخيلها عشان أنساها ، مافيش فايدة ، كل يوم أتعب أكتر من اللي قبله ، خسرت وظيفتي ، وفلوسي ، وصحتي ، واتحبست عشان حاولت أكلمها بالعافية وأنا بالمنظر ده ، شايفني يا دكتور ولا مش شايفني ؟ شايف قدامك بنى آدم ؟ ها ؟ وفي الآخر ، وفي الآخر رضيت إني أكون فار تجارب .
يقف بحركة مباغتة ويلقي بمقعده فيصتدم بأرضية الغرفة صارخا واللعاب يتطاير من فمه
ــ أنا أهو قدامك إعمل فيا اللي إنت عاوزه ، إنشالله تقتلني ، ياريت تقتلني وتريحني من اللي أنا فيه ده ، أنا تعبت ، تعبت ، تعبت والله العظيم يا دكتور ، تعبت حتى من عجزي وانا مش عارف أنتحر ، شايف ده يا دكتور ؟ شايف ؟ قطعت شرايين إيدي مرتين وفي كل مرة كنت بخاف أموت وأبعد عنها ، خلصّني بقى ، خلصّني أبوس إيدك .
* * *
يطفأ الطبيب سيجارته ويرد بلهجة آمرة هادئة وكأنه كان يتوقع رد الفعل السابق هذا .
ــ طب هات الكرسي ده وأقعد
يضع كفه على الورقة المستقرة أمامه ويزيحها بطول ذراعه تجاه مريضه الذي عاود الجلوس منكمشا ، يضع فوقها القلم
ــ إمضي هنا
يمد يده على الفور نحو القلم يلتقطه فيقاطعه الطبيب ممسكا بمعصمه
ــ بس لازم تعرف إنك بكده موافق على التجربة مهما كانت النتائج .
ينظر إلى الطبيب بثبات ، وبأصابع مرتجفة يضع رأس القلم على الورقة ، فترتخي أصابع الطبيب القابضة على معصمه ، لم يكن بحاجة إلى قراءة أي شيء ، فأي شيء في الدنيا لن يكون أسوأ مما هو فيه حتى وإن كان يمضي للشيطان عهدا .
* * *
مضت خمس دقائق منذ أن أفاق على صوت جهاز المراقبة ، لم يشعر بأي تغيير ، فقط هذا الصداع الذي يدق رأسه بألف مطرقة وعشرات الأسلاك والانابيب المنبعثة من جسده .
ــ حاسس بإيه ؟
ــ ولا حاجة
ــ بتحبها ؟
ــ مش عارف
ــ لسة نفسك تشوفها ؟ تكلمها ؟ تقعد معاها ؟
يصمت لفترة ، يشعر بأنه عاجز عن التفكير في الأمر أو إختبار مشاعره تجاهها ، هل فقد حقا أي شعور نحوها ؟ ولكنه إكتشف فجأة أنه عاجز حتى عن تذكر ملامحها .
ــ حاسس إنك مرتاح كده ؟
ــ ........
يجلس الطبيب على طرف الفراش ، وللمرة الأولى يصبح ودودا حقا بعد أن أصبحت تجربته على مشارف النجاح ، فيقول وهو ينزع عن جسد مريضه الأنابيب والأسلاك :
ــ تعرف يا أحمد ؟ لما حاولت أعرض أبحاثي في المجال ده قالوا عليا مجنون ، لكن صدقني ، الحب بتاعك ده مجرد خلل في كيمياء المخ ، دي الحقيقة اللي ماحدش عاوز يعترف بيها ، كل الأعراض اللي مريت بيها واللي مر بيها أي حد بيحب بالشكل ده من ساعة ما إتخلق الانسان تؤكد فكرتي ، ايه معنى إنك تتعلق بشكل هيستيري بشخص يختلف عنك في كل شيء ؟ شخص من المفروض إنك تكون بتكرهه في الأساس أو حتى على الأقل يمر عليك زي مئات الناس اللي بتشوفهم وبتتعامل معاهم كل يوم وتنساهم قبل ما تنام ، عارف قصة فان جوخ اللي قطع ودنه عشان يديها هدية لحبيبته ، حبيبته اللي كانت بتبيع جسمها للي يدفع ؟ روميو وجولييت ؟ مجنون ليلي ؟ كلهم مجانين زي قيس ، وعلاج الجنان ده أبسط مما تتخيله ، لكن تقول إيه في الطبيعة البشرية اللي ماعندهاش استعداد تواجه أمراضها ومشاكلها بصدق وبوضوح ؟ مهما كانت المشاعر دي متعارضة مع العقل والمنطق يفضل الانسان يضحك على نفسه ويكفّر أي واحد يقول له الحقيقة ، عشان هو مش عاوز يسمعها ، مش عاوز يصدقها ، مش عاوز يتعايش معاها .
يزيح الغطاء عن جسده ، ويحاول التماسك واقفا ، فيمسك الطبيب بذراعه يعينه على الوقوف ، يتوجه نحو النافذة المطلة على حديقة المستشفى فيقوده الطبيب ويزيح الستائر، ينظر من خلالها إلى قرص الشمس .
ــ أنا .. أنا فعلا ما بقتش أحبها يا دكتور
ترتسم السعادة على وجه الطبيب ويضع ذراعه على كتفه في حميمية
ــ مش حاسس ناحيتها بأي حاجة ، كإنها واحدة غريبة بشوفها لأول مرة ، فاكرها زي ما فاكر بنت حلوة قعدت جنبي في المترو ، بس فاكر كل لحظة كنت بتعذب فيها ، فاكر كل كلمة حاولت أقولها ومعرفتش ، فاكر كل حالة ضعف وانكسار مريت بيها وأنا بحاول أقولها بحبك ، فاكر آخر مرة رسمت فيها صورتها ، وكل لحظة حسيت فيها بسعادة وأنا عايش على أمل إنها تحبني زي ما كنت بحبها ، تعرف يا دكتور أنا حاسس بإيه دلوقتي ؟ .... حاسس إني ماعنديش حاجة تستاهل إني أعيش على شانها .
دفع الطبيب بحركة فجائية ، وفي لحظة واحدة كان قد فتح زجاج النافذة وقفز منها ، وقبل أن تنسحق عظامه من قوة الارتطام كان قد أدرك أنه لم يكن يحبها فقط ،
يقولها وهو يطالع ملفا ضخما ، جفنيه مرتخيين في هدوء ، وإن كانت عيناه تلمعان في حماسة واضحة من وراء عويناته الطبية للحظات وهو ينظر إلى الشخص الجالس أمامه في إنكسار .
ــ بتحبها ؟
يطول الصمت ، يضع الملف على الطاولة المستطيلة التي تفصلهما ، يعقد زراعيه فوق صدره وينظر إلى سقف الغرفة بعد أن يلقي بعويناته في حركة ملولة فوق الملف ، فتستقر على وضع يتيح له التسلية باختلاس النظر إلى صورة مريضه المنبعجة عبرها بشكل كاريكاتوري .
ــ ماهو عشان أقدر أساعدك لازم تجاوبني
ــ ما إنت عارف يا دكتور
ــ المهم إن إنت اللي تكون عارف
تهتز ساق المريض أسفل الطاولة ، وترتعش أصابع يديه بحركة لا إرداية ، يفرك ذقنه المشعثة ، ينظر بعيدا إلى نقطة وهمية بجانبه متحاشيا نظرات الطبيب الباردة ، يشعر بالعري الكامل ، ويزداد إحساسه بالعجز .
ــ أيوة بحبها
يفلت الطبيب أحد ذراعيه وينقر على الطاولة بإصبعه نقرتين ويعيد عقد ذراعيه فوق صدره مرة أخرى .
ــ من فضلك بص لي وإنت بتجاوب .
تحتبس الدموع بعينا المريض ، يهز رأسه للحظات ، ويلتفت ناظرا له بكراهية ، ولكن المؤسف أن النظرة حملت بالرغم من ذلك قدرا هائلا من التوسل والضعف .
يبتسم الطبيب ، يلتقطت قلمه الفاخر من جيب معطفه ، ويسحب ورقة يضعها أمامه ، يعيد ارتداء عويناته ويبدأ في السؤال بنبرة أكثر برودا وإن حاول ــ بقدر ما تتيحه طبيعته العملية ــ أن يكون ودودا :
ــ طيب ، قوللي يا أحمد ، تفتكر لو إرتبًطِت بشخص تاني ، حتفضل برضه تحبها ؟
تفلت دمعة ، فيسارع بمسحها بإصبعه مجيبا بصوت مرتعش
ــ أيوة
ــ طيب وإيه شعورك لما تتخيل إنها معاه ، بين أحضانه ؟
ــ ....
ــ حتفضل برضه تحبها ؟
تحمر أنفه ويبدأ في النهنهة بصوت مكتوم ، يشيح بوجهه للحظات ثم يعاود النظر إلى عينا الطبيب المتسائلة
ــ أيوة حفضل أحبـ ....
يقاطعه الطبيب بحركة فجائية وهو يظهر صورة كان قد وضعها مقلوبة على مقربة من الملف ويقربها من وجهه .
ــ وكده ؟ لسة بتحبها ؟
ينظر إلى الصورة مصدوما ، تتسع عيناه في فزع ، ويمد يدا مرتعشة للامساك بها ، يفقد السيطرة على مشاعره وينخرط في نوبة من البكاء الهيستيري ، يتجاهله الطبيب تماما لدقائق وهو يشعل لفافة تبغ ويزفر دخانها بلامبالاه مراقبا مريضه وهو يمزق الصورة بعد أن عجز عن مواصلة النظر فيها .
ــ قل لي حاسس بإيه ؟ بتفكر في إيه ؟ الانتقام ؟
ــ لأ
يصرخ بها ، فيسحب الطبيب نفسا آخر من سيجارته مبتسما ، يدون شيئا ما بالورقة ويعاود السؤال :
ــ يعني لسة بتحبها ؟
ــ أيوة ، أيوة بحبها
يمسح خيطا من المخاط سال من أنفه وامتزج بدموعه وقد أدرك الطبيب نجاحه في جعل مريضه يفضي بكل ما يعتمل في صدره من مشاعر بلا خجل ، ربما كانت رغبة في التخفيف عن ذلك الثقل الجاثم على قلبه ، وربما كان تبريرا لمظاهر ضعفه التي تجاوزت حد المهانة الكاملة لكرامته .
ــ أيوة بحبها وحفضل أحبها ، كتير كانت بتصدني ، كانت بتعاملني بلامبالاه ، باحتقار ، أي حد عنده كرامه كان حيسيبها من أول لحظة تبين رفضها ليه ، إنما أنا ... أنا مقدرتش .. مقدرتش يا دكتور .. مش قادر .
ينفض الطبيب رماد سيجارته ويسأل بنفس النبرة الباردة :
ــ طيب تقدر تقوللي إنت بتحبها ليه ؟
تعاوده نوبة البكاء ، يدفن رأسه بصدره وهو ينتفض ، ويجيب بصوت اختلط بلعابه :
ــ مش عارف .. والله العظيم ما أعرف ليه .. أوقات كتير كنت بحس إني مريض بيها ، عمري ما كنت أتخيل إني أحب واحدة زيها ، إنما ده اللي حصل ، حاولت أنساها ، عملت أي حاجة وكل حاجة ممكن تتخيلها عشان أنساها ، مافيش فايدة ، كل يوم أتعب أكتر من اللي قبله ، خسرت وظيفتي ، وفلوسي ، وصحتي ، واتحبست عشان حاولت أكلمها بالعافية وأنا بالمنظر ده ، شايفني يا دكتور ولا مش شايفني ؟ شايف قدامك بنى آدم ؟ ها ؟ وفي الآخر ، وفي الآخر رضيت إني أكون فار تجارب .
يقف بحركة مباغتة ويلقي بمقعده فيصتدم بأرضية الغرفة صارخا واللعاب يتطاير من فمه
ــ أنا أهو قدامك إعمل فيا اللي إنت عاوزه ، إنشالله تقتلني ، ياريت تقتلني وتريحني من اللي أنا فيه ده ، أنا تعبت ، تعبت ، تعبت والله العظيم يا دكتور ، تعبت حتى من عجزي وانا مش عارف أنتحر ، شايف ده يا دكتور ؟ شايف ؟ قطعت شرايين إيدي مرتين وفي كل مرة كنت بخاف أموت وأبعد عنها ، خلصّني بقى ، خلصّني أبوس إيدك .
* * *
يطفأ الطبيب سيجارته ويرد بلهجة آمرة هادئة وكأنه كان يتوقع رد الفعل السابق هذا .
ــ طب هات الكرسي ده وأقعد
يضع كفه على الورقة المستقرة أمامه ويزيحها بطول ذراعه تجاه مريضه الذي عاود الجلوس منكمشا ، يضع فوقها القلم
ــ إمضي هنا
يمد يده على الفور نحو القلم يلتقطه فيقاطعه الطبيب ممسكا بمعصمه
ــ بس لازم تعرف إنك بكده موافق على التجربة مهما كانت النتائج .
ينظر إلى الطبيب بثبات ، وبأصابع مرتجفة يضع رأس القلم على الورقة ، فترتخي أصابع الطبيب القابضة على معصمه ، لم يكن بحاجة إلى قراءة أي شيء ، فأي شيء في الدنيا لن يكون أسوأ مما هو فيه حتى وإن كان يمضي للشيطان عهدا .
* * *
مضت خمس دقائق منذ أن أفاق على صوت جهاز المراقبة ، لم يشعر بأي تغيير ، فقط هذا الصداع الذي يدق رأسه بألف مطرقة وعشرات الأسلاك والانابيب المنبعثة من جسده .
ــ حاسس بإيه ؟
ــ ولا حاجة
ــ بتحبها ؟
ــ مش عارف
ــ لسة نفسك تشوفها ؟ تكلمها ؟ تقعد معاها ؟
يصمت لفترة ، يشعر بأنه عاجز عن التفكير في الأمر أو إختبار مشاعره تجاهها ، هل فقد حقا أي شعور نحوها ؟ ولكنه إكتشف فجأة أنه عاجز حتى عن تذكر ملامحها .
ــ حاسس إنك مرتاح كده ؟
ــ ........
يجلس الطبيب على طرف الفراش ، وللمرة الأولى يصبح ودودا حقا بعد أن أصبحت تجربته على مشارف النجاح ، فيقول وهو ينزع عن جسد مريضه الأنابيب والأسلاك :
ــ تعرف يا أحمد ؟ لما حاولت أعرض أبحاثي في المجال ده قالوا عليا مجنون ، لكن صدقني ، الحب بتاعك ده مجرد خلل في كيمياء المخ ، دي الحقيقة اللي ماحدش عاوز يعترف بيها ، كل الأعراض اللي مريت بيها واللي مر بيها أي حد بيحب بالشكل ده من ساعة ما إتخلق الانسان تؤكد فكرتي ، ايه معنى إنك تتعلق بشكل هيستيري بشخص يختلف عنك في كل شيء ؟ شخص من المفروض إنك تكون بتكرهه في الأساس أو حتى على الأقل يمر عليك زي مئات الناس اللي بتشوفهم وبتتعامل معاهم كل يوم وتنساهم قبل ما تنام ، عارف قصة فان جوخ اللي قطع ودنه عشان يديها هدية لحبيبته ، حبيبته اللي كانت بتبيع جسمها للي يدفع ؟ روميو وجولييت ؟ مجنون ليلي ؟ كلهم مجانين زي قيس ، وعلاج الجنان ده أبسط مما تتخيله ، لكن تقول إيه في الطبيعة البشرية اللي ماعندهاش استعداد تواجه أمراضها ومشاكلها بصدق وبوضوح ؟ مهما كانت المشاعر دي متعارضة مع العقل والمنطق يفضل الانسان يضحك على نفسه ويكفّر أي واحد يقول له الحقيقة ، عشان هو مش عاوز يسمعها ، مش عاوز يصدقها ، مش عاوز يتعايش معاها .
يزيح الغطاء عن جسده ، ويحاول التماسك واقفا ، فيمسك الطبيب بذراعه يعينه على الوقوف ، يتوجه نحو النافذة المطلة على حديقة المستشفى فيقوده الطبيب ويزيح الستائر، ينظر من خلالها إلى قرص الشمس .
ــ أنا .. أنا فعلا ما بقتش أحبها يا دكتور
ترتسم السعادة على وجه الطبيب ويضع ذراعه على كتفه في حميمية
ــ مش حاسس ناحيتها بأي حاجة ، كإنها واحدة غريبة بشوفها لأول مرة ، فاكرها زي ما فاكر بنت حلوة قعدت جنبي في المترو ، بس فاكر كل لحظة كنت بتعذب فيها ، فاكر كل كلمة حاولت أقولها ومعرفتش ، فاكر كل حالة ضعف وانكسار مريت بيها وأنا بحاول أقولها بحبك ، فاكر آخر مرة رسمت فيها صورتها ، وكل لحظة حسيت فيها بسعادة وأنا عايش على أمل إنها تحبني زي ما كنت بحبها ، تعرف يا دكتور أنا حاسس بإيه دلوقتي ؟ .... حاسس إني ماعنديش حاجة تستاهل إني أعيش على شانها .
دفع الطبيب بحركة فجائية ، وفي لحظة واحدة كان قد فتح زجاج النافذة وقفز منها ، وقبل أن تنسحق عظامه من قوة الارتطام كان قد أدرك أنه لم يكن يحبها فقط ،
بل كان يحب الحياة من خلالها .
تمت
تمت
18 comments:
أنا علقت بس عشان اكون اول واحد علق. انا لسا مقرتهاش كلها بس اكيد هقراها، شكلها مأساوي. حاجة غم.
لا غم ولا حاجة يا باشا :) دي الحتة الرومانسي اللي عندي :)
ياااااااه اد ايه روعة بجد بس فى حد بيحب حد كده ؟
اه فيه
بس بجد عبقرى يا دكتور
روعة بجد يا دكتور
بس هو فى حد بيحب حد كده ؟
اه فيه!عبقرى بجد
يا لهووووووووووي
ايه النهايه دي
ههههههههههههههههههههه
بس تحياتي القصه شدتني لحد ما كملتها
بس مش مقتنعه ان حد ممكن يعمل فى نفسه كده وبيبقى عنده مخ اصلا
ياربي
في نص القصة كنت عايزة احكيلك ياريت تعطيني عنوان الدكتور
ومع النهاية ادركت المغزى
بجد جميله جدا جدا جدا
ليه كدة يا اشروف العملية مش ناقصة عياط
بس اللي انت عايز تقوله وصل يا دكتور
تحياتي وفي انتظار المزيد
جامده
في الجون
انا اتثبت يا دوك
لما اشوفك تاني قدام جحا بتركب هنزل اخدك بالحضن
;)
اشرف الله ينور عليك ..........كنت متوقعة النهاية بس مش عشان هى مفقوسة لكن عشان انا مخبولة وتقدر تقول مريضة نفسية بعيد عنك....تفاصيلها حلوة اوى واكتر جزء عجبنى لما الدكتور قاله طب هات الكرسى واقعد.....هو انت عارف ازاى سياسة الطبيب النفسى انت وصفته ببراعة...الله ينور يا جميل
حلوة
بس اعتقد ان الفكرة او الجو العام للقصة مكرر قبل كدة كتير
في نص القصة كنت هكلمك آخد منك رقم الدكتور... بس لما وصلت للآخر عرفت إن مفيش فايده... الحب ده فعلا مالوش علاج
القصه فعلا أثرت فيا و مهما فيه ناس مش مصدقه ان الحب ده مش موجود بس للأسف هو موجود
The finale is heart breaking
Great work ya Ashraf
هممممم
والله مش عارفه اقولك ايه
بس انا حاسه ان علاج الدكتور ده ممكن ينجح
انا مؤمنه ان الحب لو راح فيه الف غيره جى
هو انتحر عشان هو ماعندهوش حاجه تانيه
قلت لنفسي لو مكانه انا كنت عشت حياتى والتفت لشغلى
مش عارفه ليه مش قادره ادخلها دماغى
ماحدش بيموت عشان حد يا دوك
وبرضه ماقدرش اقول غير ان القصة شدتنى وخلتنى اقراها فى 3 دقايق
انت موهوب يابنى
هشام
انت عارف يا ابو اشرف اكتر حاجه عجبتني في القصه ايه
اني طول القصه عمال افكر مين هي المحبوبه ياتري هي مجرد بنت ولا كان المقصود البلد " مصر "
الاجمل ان القصه في نهايتها اديتني المعنيين
اني ممكن احب واحده بجنون
واني ممكن احب بلدي بجنون
أنا قرأت القصة دي من حوالي يومين..
بس للأسف كانت ليلة امتحاني فملحقتش أرد..
عايزة أقول لحضرتك انها بهدلتني..
من ساعت ما قريتها وانا ماشية أحكيها للناس:)))
بجد عجبتني جدا والمدونة كلها جميلة جدا جدا:)
هاجي كتير ان شاء الله
اسلوبك في الوصف رائع كأني شايفاهم و القصة تشد للنهاية و النهاية كانت مفاجأة
Post a Comment