قابلته لأول مرة علي مقهى بطنطا .
كنت قد سافرت مع صديقي الدكتور شريف عرفة بصحبة زميلين آخرين لمقابلة دكتور أحمد خالد , ما الهدف من هذه المقابلة ؟ لا شيء ! مجرد جلوسنا ولو لنصف ساعة مع شخص أحببناه جميعا وتربينا علي قصصه منذ بداية المرحلة الإعدادية . أذكر أنني كنت أقف مفزوعا كلما دخل احدهم المقهى ! , هل هذا هو ؟ لا .. لم يأتي بعد , إذن فهو ذلك الرجل ؟ لا .. ليس هو , يبدو أنني أحرقت جالونات من الأدرينالين يومها .
في السطور التالية أعرفكم بدكتور أحمد خالد الذي لم يعرفه أحد , إلا إذا كان من المحظوظين مثلي بصداقته .
ولكن أولا أحب أن أشيد بموضوع أحمد مختار عاشور لأنه بالفعل أكثر من رائع , ولعل حديثي هنا مجرد دردشة لا ترقى إلي مستوى المقال .المتواضع \ المستفز :وهو ليس تواضعا عاديا , أنه أمر مفزع ومربك لمن يتعامل معه , يسألك عن رأيك وكأنك ناقد وهو مجرد تلميذ , يستمع إليك جيدا ويدافع عن وجهة نظره في هدوء . لا تخجل في مصارحته بشيء لم يعجبك طالما كنت موضوعيا .
حدث وأن وضع ساقا علي أخري أثناء جلوسنا بالمقهى فاصطدم حذاؤه ببنطالي وفورا راح ينفضه لي وأنا أكاد أبكي من الخجل ! لا يحب أبدا أن يكون قد تسبب لك في أدنى أذى حتى وان كان مجرد بضعة حبيبات من التراب عالقة ببنطالك (المتسخ أساسا) .
أذكر أيضا أنه رشحني لمجلة باسم وبعد أربعة شهور من العمل بمشروع ما تم رفض أعمالي وحينما علم بذلك شعر بضيق شديد لدرجة أنه عجز عن كتابة حرف واحد طوال اليوم (كما أخبرني بالهاتف) وراح يعتذر لي لأنه اعتقد أنه كان السبب في خوضي هذه التجربة المؤلمة .
دكتور أحمد خالد لا يحب المقاهي أو المطاعم الفاخرة , وهو يفضل المقاهي البسيطة للغاية حتى وان كان المقهى عبارة عن مقعدين علي ناصية شارع , وهو يعرف تماما ذوقك ويحاول دائما إرضائه , لذا تجد أنه من العادي تماما أن تدخن الشيشة أمامه دون تكلف . يدخن بشراهة (وإن حاول الإقلال مؤخرا) ولكنه لن يعزم عليك بواحدة إلا إذا كنت مدخنا . حتى السجائر ذات نوع متواضع (للغاية) ! , لا يتحدث كثيرا عن نفسه وان فعل فلن تشعر للحظه انه بدافع الاستعراض .
استيقظت يوم العيد علي اتصاله :والدتي تصيح بي : واحد أسمه الدكتور احمد خالد ع التليفون !
مستحيل !!! أجمل تهنئة يمكن أن تتلقاها في العيد .
إذا طلبت منه حوارا صحفيا فهو يسافر لك أيضا ! ليس لعشقه للشهره بالطبع فهو مشهور أساسا , بل لأنه حريص أشد الحرص علي ألا تتأذى بسببه لذا فهو يتحمل عنك عناء السفر بالكامل !.
حينما لمحت له برغبتي في دعوته لزفافي أبدى حماسه , لذا شعرت بالضيق لأنني لن أقبل أن يتحمس دكتور أحمد خالد لحضور الزفاف ثم يعتذر لي في آخر لحظة وقد توقعت خيبة الأمل الشنيعة هذه واستعددت لها (ليس من المنطقي أن يسافر كاتب مشهور من طنطا لحضور حفل قاريء له في القاهرة ) , حتى إنني اتصلت به قبل الزفاف بساعات لأنني لم أتلق رسالة اعتذاره عن المجيء بعد ! أخبرني بأنه قادم بالفعل وقد كان ! أنا ... دكتور احمد خالد يحضر فرحي بنفسه ؟؟؟ وهو الساكن في طنطا والفرح في حلوان ؟؟؟ لقد كدت أموت وقتها من الانفعال .
ثق بأنك لن تجد كاتبا في مثل تواضع دكتور احمد خالد .
الموسوعي :هززت رأسي له ألف مرة منذ أن تعارفنا , فقد أشعرني بأنني حمار كبير في كل مرة يخبرني فيها عن مخرج برازيلي أو ممثل موزمبيقي أو كاتب من جزر القمر وكأنه أمر مسلم به , لذا أهز رأسي وأنا ألعن ثقافتي الضحلة ! وحينما ينسى اسم أحدهم يشعر بالضيق ويبدأ في محاولات مضنية للتذكر ربما تمتد لدقائق عديدة ثم يتهم نفسه بالزاهيمر . ( يا دكتور فيه ناس مش عارفة المعلومة دي اساسا فضلا عن نسيانها ) ! لن تشعر أبدا أنك مثقف بجانبه لأنه بكل بساطة موسوعي بالمعنى الحرفي للكلمة .
معلومة نادرة لا أعتقد أن أحدا من عشاقه يعرفونها عنه : دكتور أحمد خالد عمل لفترة لا بأس بها في السعودية , ليس كطبيب أو ككاتب وإنما كمبرمج ألعاب كمبيوتر ! كما أن له العديد من البرامج والتطبيقات المتميزة علي كمبيوتر صخر (حينما كان صخر يعد كمبيوتر حديث للغاية) .
الفنان :
لديه حس فني عالي جدا , بالأدب والموسيقى والرسم والكاريكاتير والتمثيل والإخراج , ولأنه موسوعي فسوف يعلق علي إنتاجك الفني أيا كان نوعه بمقالة كاملة مدعمة بالمعلومات التاريخية , انه يرسم أيضا ! وقد رسم لي نفسه علي هامش من صفحة مجلة بأسلوب كاريكاتوري .
المنبهر :
لا يحاول إخفاء انبهاره وحماسه , بل ولهفته لكتاب أو فيلم نادر أو صورة قديمة أو حتى مجرد معلومة, ربما يسافر لك من طنطا إلي القاهرة لمجرد أنك تمتلك فيلما وثائقيا أو روائيا نادرا , أذكر أنه شعر بخيبة أمل كبيرة لأن صديقا نسى أن يحضر معه من القاهرة كتاب (نظر) للفنان محي الدين اللباد . في إحدى المرات اسمعنا بعض الأغاني لكات ستيفنز علي كاسيت سيارته , وقد كان منبهرا كأنه يسمعها للمرة الأولى ويحاول أن يشعرك بنفس انبهاره ويترجم لك كل كلمة , ذوقه في الأغاني راق للغاية ويتركز بشكل أساسي علي أغاني السبعينات .
الصديق :إذا طلبت نصيحته في أدق أمورك الشخصية فهو يخبرك برأيه بكل صراحة حتى وان كان رأيه قاسيا (وليس علي هواك) , فهو يري أن النصيحة مسئولية خطيرة لذا فهو يفعلها (بذمة) , لا يريد توريطك حتى من باب الخطأ . كما انه مخلص بشكل نادر , وقد كتب عن الدكتور شريف عرفة
مقالا كاملا نشر علي موقع روايتي وكدت أموت فرحا حينما ذكر اسمي في المقال مرتين ! وهو دائم الإعلان عن أخبار أصدقائه في بريد ما وراء الطبيعة. ولا يترك مناسبة الا ويزفها علي هذه الصفحات سواء أكان زفاف أو نشر كتاب جديد أو مولودا لأحد أصدقائه .
الخجول :صوته منخفض إلي حد ما وله ابتسامة خجولة شهيرة , ولكنه جريء أيضا , يمكنك اعتبار هذا الخجل نوع من التأدب البالغ , هاديء الي حد كبير ولن تره منفعلا أبدا أو متجهما , ولكنه يقول عن نفسه أن نوبات انفعاله تكون عاصفة لدرجة أنه قد قام بمحو رواية (العلامات الدامية) مستخدما برنامج خاص يجعلك عاجزا عن استرجاع ما قمت بمحوه إلي الأبد مهما حاولت .
المتفرد :
ربما كنت مثلي ممن يصنفون البشر , مهما تعددت أنماط البشر إلا أنه من الممكن تصنيفهم في مجموعات من حيث الشكل والشخصية معا , حتى البشر المتشابهين يكون لديهم شخصيات متقاربة إلي حد كبير , إلا دكتور أحمد خالد , حالة فريدة من نوعها , تحاول كثيرا أن تضبط مؤشرك ليستقبل موجته فتعجز عن ذلك , ستحبه كثيرا ولكنك ستفشل دائما في الاندماج معه بشكل تام , فهو فريد للغاية , زهرة زرقاء نادرة . تشعر أنه يفكر بعقل مختلف وكأن خلاياه من طينة أخرى , لا أجد مثالا حيا علي ذلك ولكنه مجرد شعور لا أجد له تفسيرا . هل هي العبقرية ؟