Total Pageviews

Thursday, April 10, 2008

سوزي


كان الرقم يداعب خياله البكر ، ومشاعر المراهقة التي إرتوت ظمءا من قصص أقرانه المتمرسين في ليالي الشتاء الباردة على المقهى ، ترتجف القصاصة بين أنامله ، ويخفق قلبه بلذة القادم على مغامرة ، يتذكر موعد إمتحانه ، ينظر بنتيجة الحائط ، يطوى القصاصة ، يضعها بدرج المكتب ، يتناول كتابا ضخما ويستذكر به ، ويعد نفسه بليلة أسطورية يوم ظهور النتيجة .
-------------------------------------
حصل على الباكلوريوس بتقدير جيد جدا ، عاد إلى بيته ليزف النبأ السار ، وحينما اختلى بنفسه في حجرته ، أخرج القصاصة ، وراح يمرر أنامله على الرقم الذي خط على عجالة بالحبر الأزرق ، يالك من وغد يا هشام ، إن أرقام الفتيات تتساقط منك وكأنها عرق الصيف ، تبصقها لينعم من هم مثلي ببعض مما تغرق أنت فيه ، لكم أنا شاكر لك أيها الفاسق ، يبتسم وهو يمسك بسماعة الهاتف ، وبإصبع ملهوف يضغط الرقم ، يسمع صوت آذان المغرب ، يشعر بالذنب ، يضع السماعة ، ويذهب ليتوضأ مستغفرا ربه .
-------------------------------------
ذهب ليبحث عن عمل ، نفس الرحلة اليومية التي يبدؤها بإفطاره على المقهى المجاور ومتابعة إعلانات الوظائف الخالية ، ركوب الحافلة ، سؤال المارة عن عنوان الشركة ، المقابلة الشخصية ، ووعد بالإتصال به في وقت قريب لا يأتي أبدا ، يعود منهكا بعدما يكون قد مر على عدة شركات هنا وهناك ، وهناااااااااااااك أحيانا كثيرا ، يضع رأسه على الوسادة ، يتذكر القصاصة الراقدة بدرج مكتبه ، يعد نفسه بليلة خالدة تحكيها كتب التاريخ للأجيال القادمة ، يغلبه النعاس ، ويعلو صوت شخيره .
-------------------------------------
أتصل به مديره ليوقظه في الواحدة بعد منتصف الليل ، مجموعة أخرى من التقارير العاجلة ، وكأن عشرة ساعات من العمل بالسياط يوميا غير كافية ، مياه الصنبور الباردة على رأسه المترنحة من النعاس ، أقداح من القهوة وعلبة سجائر وأوراق وأقلام ، وشباك مفتوح يرى منه ضوء الفجر ، وقبل أن يغلق باب حجرته وراءه ليبدأ رحلته اليومية حاملا أوراقه ، ألقى نظرة أخيرة على درج مكتبه ، وابتسم .
-------------------------------------
تعلن والدته عن رغبتها في أن تهنأ برؤيته متزوجا قبل أن تلقى ربها ، تقول أخته بأن قطار الزواج ربما يمر على غفلة وقد بلغ الخامسة والثلاثين من عمره ، يقول والده بأن الزواج هو نصف دينه ، يقول هو بأن راتبه الحالي بالكاد يفى احتياجاته الشخصية ، وبأنه ليس على استعداد بأن يأتي للعالم بفقراء \ تعساء \ أشقياء جدد ، لسبب ما تذكر القصاصة بدرج مكتبه ، لسبب ما شعر بالحاجة إلى أن يطمئن على وجودها ، وهناك في قاع الدرج وجدها ، يعلوها الغبار ، طواها وهو يشعر بتلك المرارة في حلقة ، ولكن بالرغم من كل شيء كان يبتسم .
-------------------------------------
كان الرقم يداعب خياله الهرم ، ومشاعر المراهقة المتأخرة تنبض من جديد ، ترتجف القصاصة بين أنامله بفعل الشيخوخة ، يقربها من عويناته السميكة ليرى ما حل بها من فعل الزمان ، وبالرغم من أطرافها المتآكلة المصفرة والحبر الذي بهت لونه ، إلا أن الرقم كان لا يزال مقروءا ، له ذات التأثير القديم ، تلك القصاصة التي كانت تعطيه الأمل في الغد ، أصبحت هي الآن الأمل نفسه ، احتشدت حبيبات العرق على رأسه الأصلع ، وأعلن قلبه حالة العصيان تجاه مشاعر لم يكن على استعداد لها وهو في هذه الحالة من الوهن ، رفع سماعة الهاتف ، ألصقها بأذنه ، ضغط الأرقام ببطء ، وراح ينتظر بحلق جاف وشفاه ترتعش ، وأخيرا أتاه صوت الطرف الآخر ، صوت يصعب تبينه أن كان لرجل أم إمراة ، صوت لاهث متحشرج جدير بجثة ناطقة :
ــ ألوه ؟
ــ ألوه .. اااا ... سوزي ؟ .. مش كده ؟
ــ أيوة يابني أنا الحاجة سوزي ، مين معايا ؟
ــ أنا ... أنا صاحب هشام .
ــ هشام مين يا ضنايا ؟
ــ هشام يا حاجة ، هشام برشام ، كازينو مديحة .
إذا كان للمومياوات أن تضحك ، فلابد وأن ضحتها واحدة من تلك:
ــ هي هي هي هي هي ، يخرب عقلك يا راجل ... يا حاج عيب عليك ، ياااااااه ، ده كان من ييجي خمسين سنة وأكتر، ينيلك راجل ناقص بصحيح ، لسة فاكر ؟ ، هي هي هي هي ، هيييييه ، فين أيامك يا سوزي ، هيييييه راحت ، كله راح يا حاج ، كله راح .
وضع سماعة الهاتف .
رقد على الفراش .
علت شفتيه ابتسامة .
نظر إلى سقف حجرته وكلمات الحاجة سوزي يتردد صداها في صدره
ــ كله راح يا حاج ، كله راح
أغمض عينيه
ثم مات .

27 comments:

اهو ده عيبه said...

ياااااااه هايلة بجد
اد كده ممكن الانسان يضيع عمره كله من غير ما يقدر ياخد خطوة
ويوم ما يقرر ياخدها يبقى الوقت فات

افتكر لو كان اخد القرار انه يكلمها من اول مرة ممكن حياته كانت تبقى مختلفه،بس فعلا ممكن يكون ده الامل الى كان بيصبره


لكن كله الا حاجة سوزى دى كمان :):)

Wael said...

"كان الرقم يداعب خياله البكر ، ومشاعر المراهقة التي إرتوت ظمءا من قصص أقرانه المتمرسين في ليالي الشتاء الباردة على المقهى "

الله عليك

اكثر من رائعة

بجد وبدون اى مجاملة

قليلة هى الاعمال التى لا يسرع عقلى بمحاولة نقدها , والاستمرار معها حتى اخرها , واكتشاف انها اجمل من ان يمسها اى نقد .

very good :)

Michel Hanna said...

حلوة قوي يا أشرف.
تسلم إيدك؟

ياسمين حميد said...

هيهيهي
ينيلك يا حاجة سوزي
ما عزلتيش ليه السنين دي كلها؟

أكثر شيء أعجبني في القصة هو اسم "الحاجة سوزي". قصة معبرة. ه

أشرف حمدي said...

أهو ده عيبه
فعلا ده بالضبط اللي عاوز أقوله في القصة دي ، سعيد جدا اني قدرت أوصل المعنى ، وسعيد أكتر برأيك والله
ألف شكر
---------------
Wael
مش عارف أقولك ايه بجد أكتر من شكرااااا ، حقيقي اسعدتني برأيك ، رغم انه كلام كبير قوي على القصة ، ميرسي بجد يا وائل
---------------
دكتور ميشيل حنا
الكاتب العظيم ، أخيرا عجبتك حاجة من كتاباتي ؟ بس احنا نيجي جنبك ايه :) بجد رأيك أسعدني خاصة وانت كاتب مرموق فضلا عن كونك صديق عزيز للغاية
---------------
ياسمين حميد
كان حقتي حتبها شوزي بعها باعتبار انها مركبة طقم شنان
شكرا على رأيك واهتمامك
تحياتي

واحد من البلد دى said...

تعرف..ما لفت نظرى بشدة فى تلك القصة...إسم الحاجة سوزى...لأنه إسم إن دل على شيئ إنما يدل على إن صاحبته كانت وهى صغيرة...غاوية شقاوة....وحتى إن لم يكن هذا قصدك من الإسم...تبقى حضرتك..مبدع بالفطرة.....يا عم أنا باحسدك م الآخر...إرتحت...ههههههههه مستنى زيارتك يا جميل

مواطن مصرى نايم said...

اولا الف سلامة عليك يا دكترة
ثانيا
ايه الجماااااااااااال ده
رائعه و الله بجد تحفة
مش عارف اقولك اية و الله
بس بعيدا عن المجاملات
هى فوق فوق فوق الممتازة
انا ممكن اقعد اقولك جميلة من هنا لحد بكرة
بس كفاية عشان متقلش عليك
تحياتى ليك يا باشا

Anonymous said...

ههههههههههههههههههههههه
ينيلك يا شوزى يا اوختشي
انتى لسه عايشه اصلا
ماعتقدش انه كان هايعمل بجثتها حاجه
لكن هو كان محتاج للأمل اللى بيسلي بيه نفسه
الخطوه اللى كان مخليها للآخر عشان يفرح نفسه بيها
هييييييييه
الله يرحمه بقى
عاش كمواطن مصري عادى

ومات غلبان

aya said...

عارف
لو اخدناها بضحك
فا هى جامدة جدا ودمها خفيف

لو اخدناها بجد بقى
فا هى ديه حياة الانسان الضعيف
اللى مش قادر ياخد خطوة
عارف زى ما جاهين قال

اقلع غماك يا تور وارفض تلف
اكسر تروس الساقية واشتم وتف
قال بس خطوة كمان وخطوة كمان
ياوصل لاخر السكة يالبير يجف

بجد رائعة يا دكتور
تسلم العبقرية

مواطن مصرى نايم said...

صحيح يا دكتور
اخر موضوع فى البلوج بتاعى فيه حاجة تخصك

بطوط حبوب said...

هو انا جيت متاخر اوى اوى اوى كده
ممكن اقول حاجه
فى بوست انتى جايه تشتغلى ايه؟؟
ضيف وكاتب قصه محترف بدرجه امتياز
ايه يا عمنا احنا كل يوم نحب حاجه جديده فيك
رغم انى مبسوط ان العمر جرى بالبطل ومعملش الى كان عايز يعمله
بس وصلى معنى جميل اوى
روح ياشيخ دمت مبدعا

واحد من البلد دى said...

على فكرة.....أنا زعلان منك....تحياتى لك ولعمرو

فنان مسلم said...

مية مية والله :)

ناجي العلي 2000 said...

بصراحة
من اكثر القصص القصيرة الي شدتني


ارجوك استمر

:)

abo salah said...

بعد السلام عليكم

من الطبيعى ان تتحفنى باعمالك الكاريكاتورية الرائعة

اما ماهو ليس طبيعيا ان ادخل مدونتك واقرأ هذه القصة ثم اغادر دون ان اترك تعليقا يقول ان القصة رائعة واسلوبك رائع

حتي وان كنت في حالة سيئة تمنعني من زيارتك وزيارة اصدقائي المدونين كلهم

اعذرنى علي تقصيري
ويارب تكون بخير يادكتور أشرف

تحياتي

admelmasry said...

القصة جميلة جدا جدا
وانتي بتقول انه افتكر ان عندة امتحان فساب الورقة علي جنب .. افتكرت حالي والامتحانات اللي ورايا
.
.
بس لما قولت انه جاب جيد جدا فرحت جدا وقلت خلاص بقي طالما جيد جدا بلاش تعب ، بس افتكرت ان تقديراتي قبل كدا صعب تتحول بقدرة قادر لجيد جدا
.
.
في الاخر ماعرفتش افرح خالص بسبب رحلة البؤس والشقاء بتاعته
فالواحد احسن يقوم يذاكر
.
.
تحياتي يا باشا
والسلام

أسامه يوسف said...

جميله جداً
لأ
دى عبقرييييه
أنا كنت متوقع نهايه تانيه خالص
كنت فاكر إنها اتجوزت او عزلت
بس والله جميله

على فكره حوار التليفونات عاد سهل
وربنا يخلى للشباب 140 أون لاين

أشرف حمدي said...

واحد من البلد دي
هههههههه فعلا أنا قاصد كده :) المفارقة بين كلمة حجة واسم سوزي :)
سعيد ان القصة عجبت حضرتك
-----------------
مواطن مصري نايم
الله يسلمك يا حبي ، ربنا يخليك ، ومتشكر جدا على رأيك في القصة
-----------------
وينكي
تمام كده :) والله كنت خايف للناس تقول انها مش فاهمة بس واضح ان كل واحد فهم جانب من القصة
الله يمشيكي بالخير يا شوزي
-----------------
aya
رائعة هذه الرباعية ، أشكرك كثيرا أنك ذكرتيني بها
كما اشكر لك اهتمامك وتعليقك
مع خالص حبي واحترامي
-----------------
بطوط حبوب
حبيب قلبي :) هههههه ربنا يخليك ميرسي جدا
واحشني بجد وواحشاني بوستاتك
معلش كنت عيان الفترة اللي فاتت ، حتابع الجديد بقى وربنا معاك في الامتحانات
-----------------
واحد من البلد دي
أنا بجد بعتذر عن التقصير بس والله تعبان جدا وحرارتي كانت أربعين ويادوبك قدرت أدخل أبص على مدونتي لما شديت حيلي شوية
معلش الوقت ضيق جدا وانا طالع عيني ، عندي المرادي معلش
-----------------
فنان مسلم
شكرا يا باشا :) ما تقطعش الزيارات بقى
-----------------
ناجي العلي 2000
بدأت أشك أن الناس بتجاملني :) مافيش حد نقد القصة لحد دلوقتي ، ربنا يخليك يا باشا مش عارف أقولك ايه
-----------------
آدم المصري
هههههههههههه ربنا معاك يا باشا
عارف انا لما الواحد يبقى عنده امتحان ويقرا أو يشوف حاجة فيها امتحانات ، بيحس انها متعلقة بيه هو
عموما رأيك أسعدني جدا ، أشكرك
-----------------
أسامة يوسف
تمام يا حبي ، الحمد لله ان النهاية ماكنتش متوقعة بالنسبالك ، وأني قدرت أقول حاجة جديدة
تحياتي

صحفية روشة said...

هايلة فعلا
الحوار الاخير ده يموت من الضحك

الميكروباص said...

قرأت ردك على ناجي العلي وأنك بتشك ان الناس بتجاملك- الناس مش هتجاملك لأن اللي انت كتبته في القصه بيحصل بالفعل و أجزاء من القصه حصلت مع كل الناس خاصة الجزء المتعلق بالبحث عن العمل وإلحاح الوالده على زواجه وهو لا يريد لأن الراتب قليل
ده شيء موجود من الواقع يا دكتور ومنتشر
تسلم ايدك على كل حال

مواطن مصرى نايم said...

ايه يا اشروووووف
التعب غلبك و الا ايه
لا كده مينفعش كده
فوووووق كده
لا تستسلم للتعب
و الف سلامة عليك

Unknown said...

تم القبض على الصديق و الأخ العزيز احمد بدوى صاحب مدونة بدوى الاول عشر المصدر مدونة الوعى المصرى و مواطن مصرى واخد على قفاه

الى يقدر يعرف حاجة يطمنى يا جماعة أرجوكوا
و الى يقدر يعمل حاجة يتحرك
-------------------

الزميل العزيز ابن ناصر ناشر عنده صور من الواقع عن يوم الاضراب
http://ibnasser.blogspot.com/2008/04/blog-post.html

معاذ رياض said...

الدرس المستفاد من القصة : لا تؤجل مكالمة سوزي للغد

واحد من البلد دى said...

ألف ألف سلامة عليك يا كبييييييير...بس أنا والله ما بعتبش غير على الناس اللى بحبهم...سلامى لك ولعموووووور

Tamer Nabil Moussa said...

قصة جميلة جداا


تسلم عليها


تحياتى

حاجات جوايا said...

جميلة بجد تسلم ايدك

لفت نظرى جزئين :


يبتسم وهو يمسك بسماعة الهاتف ، وبإصبع ملهوف يضغط الرقم ، يسمع صوت آذان المغرب ، يشعر بالذنب ، يضع السماعة ، ويذهب ليتوضأ مستغفرا ربه

جميل أن يراقب العبد ربه ويخشاه ويستغفره قبل فعل الذنب


الجزء التانى:


وضع سماعة الهاتف .
رقد على الفراش .
علت شفتيه ابتسامة .
نظر إلى سقف حجرته وكلمات الحاجة سوزي يتردد صداها في صدره
ــ كله راح يا حاج ، كله راح
أغمض عينيه
ثم مات


حزنت لهذه النهاية المأساوية
لا لانه لم يتمكن من اكمال العلاقة وبداها بعد فوات الاوان
لكن لأنه أصر على المعصية رغم انه استغفر ربه فى بداية حياته لعلمه انه شئ خاطئ
وللأسف مات على معصية
وسوء خاتمة


تحيتى لك اخى
رزقك الله والمسلمين بحسن الخاتمة ان شاء الله

دمت بخير
سالى

سالي محمد said...

قصه رائعه يااشرف باشا يابن الجيران يااخويا:)بجد تجنن وكمع مذهبى فى الحياه اوى ان الواحد ياخد القرار وينفذه مين عالم كان ممكن مسار حياته كله يتغير
ارفع القبعه يافندم

Counter