في البداية دعوني أقول بأن هذه التدوينة لا علاقة لها بكوني مسلم ، وبالطبع لا أقصد بذلك كوني ملحد مثلا ، الأمر ببساطة شديدة هو مجرد تحليل حيادي تماما بغض النظر عن الدين أو الأهواء الشخصية .
أذكر أنني حينما كنت أعمل بجريدة إضحك للدنيا كرسام كاريكاتير وقررت أن أبدأ في الكتابة أيضا ، كان موضوعي الأول حول اكتشافي لقصة مصورة تسخر من الاسلام ومن نبي الاسلام على وجه خاص وذلك قبل أحداث الدنمارك بكثير ، يقول صديقي أحمد مختار عاشور أنني أول من تنبأ بذلك ولكن في الحقيقة كنت مهتما بالكومكس واكتشفت الاساءات مبكرا ليس أكثر ، بعدها توالت أخبار عن اساءات جديدة ثم ظهر موضوع الدنمارك فجأة ليفجر المشكلة ، بعد إثارة هذه القضية مباشرة بدأت بعض الأخبار المتعلقة بمعجزات اسلامية ــ إن صح التعبير ــ في الظهور تباعا ، السمكة التي تحمل على جسدها نقشا للشهادتين على سبيل المثال ، والشجرة التي ظهر عليها لفظ الجلالة ، وغيرها الكثير . على الأقل بالنسبة للشجرة فقد تبين بأن صاحب الكشك المجاور لها هو من قام بنحت الحروف ونشر الخبر ، والسبب ببساطة أنه أراد جذب الأنظار إلى هذه المنطقة والتي على ما يبدو كانت شبه مهجورة ، بالطبع استطاع أن يبيع مئات زجاجات المياه الغازية والسجائر والمناديل للوافدين من كل أرجاء مصر المحروسة لمشاهدة المعجزة والتبارك بالشجرة المقدسة ، ولكن الموضوع أكبر من ذلك .
هناك الصورة الشهيرة التي تبين مجموعة من الأشجار تشكل فيما بينها حروف الشهادتين بألمانيا ، وقامت بنشرها الجماعات الاسلامية في مصر فترة التسعينات ــ قبل ثورة الانترنت ــ من خلال تصوريها وتوزيعها باليد مع وعد بدخول الجنة لمن يساهم في ذلك وتوعد بمصائب الدنيا والآخرة لمن يتجاهل الصورة أو يستهزأ بها ، وعرفنا بعدها انها لوحة مرسومة لغرض فني تماما ، وخرج علينا صاحب اللوحة ــ أذكر أنه طبيب ــ ليخبرنا بذلك وليوضح أنه تم استغلال لوحته للضحك على عقول البسطاء . ولكن الموضوع أكبر من ذلك
بعد نكسة سبعة وستين ، وتحديدا عام ثمانية وستين ظهرت العذراء في الزيتون ، يقولون أنها ظهرت لتواسي الشعب المصري ولكن الموضوع أكبر من ذلك .
الآن تظهر العذراء فيما يبدو أنه عرض يومي مستمر بكل الكنائس الأرثوذوكسية تقريبا في مصر ، الموضوع أكبر من ذلك بكثير .
من وجهة نظري فإن زمن المعجزات الدينية انتهى ، لأن دورها انتهى مع نهاية نزول الرسالات السماوية ، لا أتحدث عن المعجزات الطبية أو معجزات النجاة من الموت الحتمي أو أي معجزة شخصية ، بل اقصد المعجزات الدينية تحديدا أي التي تتعلق بدين معين كحال الشهاديتن في الاسلام وتجلي العذراء في المسيحية والتي تظهر على هذا النحو الاستعراضي . إذن لماذا يختلق الناس هذه المعجزات
هناك سببين
الأول هو صراع العقائدي بين المسلمين والمسيحيين ولا أقول بين الاسلام والمسيحية ، تماما كصراع الأهلاوية والزملكاوية ، أقتباس من هتافات الأخوة المسيحيين : بص .. شوف .. العذرا بتعمل ايه ! ، صراع طائفي بحت ويبدو جليا على مئات مواقع الانترنت التي تسب الطرف الآخر وتتهمه بالكفر ، الرغبة في التميز على الآخر بشيء لا دور لك فيه أساسا ، الرغبة في التقرب إلى الله أو إلى المسيح بهدم العقائد الأخرى وتمجيد عقيدتك .
الثاني وهو الأهم يتعلق بحالة اليأس والإحباط والعجز التام عن مواجهة الظروف التي كنا نحن سببا فيها بسلبيتنا التي لا نعترف بها أبدا، غلاء وبطالة واستحالة الزواج بل استحالة الحياة بشكل آدمي يلق بنا كبشر ، ظلم وفساد واستبداد ومهانة على المستوى الخارجي والداخلي ــ هل هناك علاقة بين تجلي العذراء ونكسة مباراة مصر والجزائر ؟ ــ هذا اليأس الذي يؤدي إلى الموت البطيء كان لابد من أن يكسر حدته بعض الألعاب التي تعطينا الأمل كظهور العذراء ، مجرد مسكنات للألم ، ليس علاجا حقيقيا ، يمكن لمريض السرطان ان ينعم بكل لحظة في حياته بفضل المورفين العظيم ويموت في سلام وهكذا نفعل . لذا كان لابد من هذه التدوينة التي ربما تزعج أصدقائي المسيحيين ، الموضوع ليس صراعا طائفيا أبدا ، وانا ضد كل من سيعلق على هذا الموضوع تحديدا على وجه خاص ليقول : الحمد لله على نعمة الاسلام ، لأنه بهذا يمارس ما أقف أنا ضده وهو الطائفية ، لذا أعتذر عن حذف التعليقات من هذا النوع لأنها ستكون خارج السياق ، أنا لا أكذب ظهور العذراء لأنني مسلم ، بل لأنها الحقيقة كما تبدو لي ، وأنا مؤمن بمعجزات عيسى بن مريم لأنها ارتبطت بعيسى بن مريم وبرسالته ، ولكن المعجزة الحقيقية التي نريدها الآن هو أن يثبت هذا الشعب لنفسه أولا أنه جدير بالحياة ، أن يتعلم قول لا بشجاعة وبصدق ، وأن يبدأ في مواجهة مشاكله واحباطاته ونكساته بدلا من الدروشة والتدين الزائف والمعجزات المفبركة .
المشكلة الآن : بعد تصريح البابا شنودة منذ قليل ، أقول بأنه إذا تم اثبات زيف الظاهرة سيكون موقف الكنيسة في غاية الحرج ، أراه تصريحا متسرعا بعض الشيء وكان من الأفضل الانتظار قليلا لتبيّن الحقيقة .
تحليل الظاهرة في النقاط السريعة التالية :
أولا : ظهور السيدة مريم بالرداء الأزرق وهذا الوضع المشهور هو من لوحات وتماثيل لها صنعت بعد ألف سنة على الأقل من موتها ، هل المعجزات تقلد اللوحات ؟ لو افترضنا أن الرئيس الراحل أنور السادات سيتجلى مثلا ؟ وإذا كنا لن نعرف وجه السادات الحقيقي بعد ألفي عام من الآن ولدينا فيلم أيام السادات ، هل سيظهر وقتها بصورته الحقيقية التي لا نعرفها ، أم بصورة أحمد زكي في الفيلم كما نعرفها ؟
ثانيا : لماذا الكنائس الأرثوذوكس ؟ لماذا لم تظهر بكنيسة كاثوليكية أو بروتوستانتية مصرية ؟ هل لأن غالبية الأقباط المصريين أرثوذوكس ؟
ثالثا : لن أتدخل بالطبع في كيفية ظهور العذرا أو اختفائها ، ولكن هذا الفيديو الذي يوضح اختفائها لا يريحني ، لاحظ الإضاءة من برج الكنيسة فور الإختفاء مباشرة ، ارى أنه مصدر الضوء ، مصباح بروجيكتور عملاق أو شيء من هذا القبيل ، توقعت أن يكون الإختفاء بتأثير درامي لا أن تنطفيء فجأة كمصباح ، ولماذا تكون إضاءة العذرا بهذا الشكل الصناعي ؟ حولها ثلاثة صلبان مضيئة ، هي تم اعتبارها معجزات هي أيضا أم انها مضيئة بمصابيح ؟ ولماذا أنطفئت الصلبان بعد ذلك بنفس الطريقة ؟ ولماذا لم يفحص أحدهم هذا البرج الموضح في الصورة ؟
رابعا : لماذا كل المعجزات غير واضحة ؟ كان لي تعليق ساخر على لفظ الجلالة والشهادتين المنقوشتين على كل شيء تقريبا ، فليسامحني الله على هذا التساؤل ــ لا أقصد التهكم إلا على الزيف والخداع ــ ولكن : لماذا الله لا يجيد الكتابة بخط عربي سليم ؟ نفس التساؤل هنا ، لماذا تظهر العذرا بهذا الضوء القوي الساطع وفي نفس الوقت غير واضحة المعالم ؟ ولماذا لا تظهر إلا ليلا ؟
هل هناك أمل في أن نستيقظ من الأوهام وننتبه لحالنا ؟