أفيونة الشعوب

الدين أفيونة الشعوب
هذه الفكرة الشيوعية ليست صحيحة في حد ذاتها ، ولكن للأسف نحن من جعلناها صحيحة
أكثر ما يثير جنوني هو استغلال الدين لتحقيق أهداف هي أبعد ما تكون عن مباديء الدين نفسه بل في أحيان كثيرة هي على العكس تماما ، بحيث أصبحت أشك في أغلب ما يقال في الكتب وعلى المنابر وعلى شاشات التليفزيون ليل نهار وأتساءل دائما ، ماذا يريدون من وراء ذلك ؟
دعونا نتكلم بصراحة
مصر من الشعوب التي تأسست على مبدأ الدين ، في عهد الفراعنة كان الفرعون هو الإله وبالتالي ضرب الحاكم كل العصافير بحجر واحد ، طاعة الحاكم هي طاعة الرب ، وأوامر الحاكم هي أوامر إلاهية ، ورجال الدين هم رجال السلطة ، كان من المنطقي أن يستمر هذا النظام لآلاف السنين بالطبع . هل يمكنك ان تعترض ؟ أو أن تقول حتى رأيك ؟ معارضتك للحاكم هي في الأساسا معارضتك للرب وبالتالي سيقف الجمع ضدك وتضرب بالنعال من الشعب قبل السلطة ! ولكن لسبب ما وبالرغم من ذلك لم نسمع عن الفساد خلال تلك الفترة ، ويبدو أن الشعب كان يحب الفرعون بالفعل ، كما يبدو أن الفرعون كان يحترم كونه إله ويراعي ألوهيته المزعومة مع الناس !
الدين من الامور التي لا تقبل جدال ، حتى أن الجدال حولها مرفوض دينيا أساسا كما أنه محظور تماما في مجتمعنا على وجه خاص ، لن يمكنك أن تجادل في مسألة الصلاة ، ولا يمكنك أن تقول مثلا رأيي في الصيام أنه قاسي ولا أحبه وأن تدخل تعديلات على عدد ساعات الصيام وفقا لمزاجك الشخصي أو تقرر بأن الخمر لذيذ ولا مانع من شربه ، أو أن الزنى لا ضرر منه فلم لا نفعل ذلك ؟ ، هذه أوامر ونواهي إلاهية لا جدال فيها ولا عليك سوى قبولها سواء راقت لك أو لم ترق . الأمر منتهي . وأنا اتفهمه وأتفق مع ذلك بالطبع .
ولكن كانت هذه ميزة كبيرة لذوي المصالح ، ميزة أنه لا جدال في الدين ، ميزة أن الشعب المصري شعب متدين بطبعه والدين يمثل له قدسية كبيرة ومنهج حياة كامل منذ أن يسيقظ من النوم وحتى وهو ينام قارئا الأذكار، ما المانع من اللعب إذن لتحقيق مكاسب سريعة ومضمونة بأقل مجهود ؟ ، من هنا بدأت الكارثة ، الدعوة إلى كل شيء وفعل كل شيء والسيطرة على كل الناس بدعوى الدين مع استغلال سذاجة البسطاء ، الشيطان نفسه لم يكن ليفكر في ذلك !
إليكم بعض الأمثلة توضح وجهة نظري
الإرهاب
لابد وأن يكون الإرهاب في مصر ذو طابع ديني ، هذا أمر بديهي ، بالله عليك قل لي كيف تقنع شاب أن يقتل أباه وأمه بل ومجتمعه بالكامل دون أن تكون هناك فكرة دينية مسيطرة عليه ؟ بشكل ما أقنعوهم بأن القتل والذبح والسرقة هي بتكليف من الله وجهاد في سبيله ، وقد نجحت اللعبة تماما لفترة طويلة وأعتقد انها ستواصل النجاح . لا تجادل ولا تناقش يا أخ علي
السرقة والنصب
النصاب ذو اللحية من أنجح النصابين في مصر ، نحن شعب يؤمن بالمظاهر الدينية في المقام الاول ، أنت لا تحتاج إلا لجلباب ولحية ربما كانت مستعارة لتفتح شركة توظيف أموال أو تجمع تبرعات لبناء مسجد وهمي أو أن تبيع كيلو البطاطس بعشرين جنيه ، ليس بإمكانك أن تبيع التروماي فحسب بل بإمكانك أن تبيع أبو الهول نفسه لو أتقنت دورك ، أخي في الله ، تفضّل هذا المسواك أولا ، لقد توسمت فيك سماحة تدفعني لأن أكسب فيك ثوابا بأن أبيعك أبي الهول ، فأنت مسلم مثلي وقد قررت ألا أبيعه لكافر ، وإلبس يا معلّم إني أحبك في الله
بعد كتابة هذه التدوينة وقبل نشرها بيومين علمت بخبر النصاب الملتحي راسب الثانوية العامة الذي افتتح مركزا طبيا وكان يوزع على المرضى أذكار ومسواك وبونبون ويعظيهم بعض الأعشاب بمبلغ ستمائة جنيه !
الحكم
لن أطيل كثيرا في هذه المسألة الحساسة ولكن ببساطة شديدة فإن الحديث عن تقشّف الرسول وزهده بمناسبة المولد النبوي الشريف الآن ودعوى المصريين أن يقتضوا برسول الله وأن يكتفوا بالخبز الحاف والماء القراح هي حركة خائبة ومكشوفة بل وبذيئة أيضا ، حينما يكون مرتب الطبيب مائة وأربعين جنيه فلا تحدثني عن التقشّف لأنني سأحدثك أنا ومن الدين أيضا عن النصب والسرقة والغش والإختلاس والرشوة التي جعلت مرتب الطبيب على هذا النحو الكاريكاتوري ، لا تحدثني عن قضاء الله وقدره أبدا حينما يرتكب أحدهم خطأ فادحا فيحترق قطار أو يخرج عن قضبانه ويقتل الأبرياء أو حينما تغرق عبّارة ويموت منها ألف شخص أو حينما تسقط عمارة على رأس سكانها ، لا تحدثني عن طاعة أولى الأمر وهم يلهون بالملاهي الليلية ، ولا تحدثني عن القناعة التي هي كنز لا يفنى في حين أن النصابون يهربون بأموال البلد كل يوم ، لا تقل لي أن الانتحاري الفلسطيني إرهابي ولو استشهد فإنه ليس شهيدا وذلك لخدمة فكرة سياسية ما ، لا تظهر لي بشكل مكثّف بعمامتك لتدعوني إلى التبرّع لبناء مستشفى في حين أننا ندفع الضرائب وأموالنا تسرق كل يوم وتحوّل أولا بأول على بنوك سويسرا ، أموال المصريين المنهوبة في الخارج تكفي لبناء ألف مستشفى ، لو حدث زلزالا فلا تقل لي أنه غضب الله على من ماتوا تحت الأنقاض ولكن قبل ذلك تأكد من ضمير المقاولين ، عمارات مصر تسقط من تلقاء نفسها فلا تحتاج إلى زلزال أساسا ، أول شيء يقوله مغتصب الأطفال في برنامج خلف الأسوار هو أنه لا يدري كيف فعل ذلك ، إنه الشيطان الملعون وليس أنا ، أي تحريف للواقع وقولبته في قالب ديني هو عمل خسيس يهدف للحس عقول البسطاء واسكاتهم وقمعهم وكفانا حديثا في هذه النقطة قبل أن أفرقع من جنابي ولكن إليكم هذا المشهد الكاريكاتوري الذي يلخص هذه النقطة .
مراد باشا اغتصب زوجة حسنين الجنايني وقتل أطفاله ونهب أرضه وأجبره هلي العمل عنده بالسخرة ثم قال له : إنت حزين ليه يا حسنين ؟ ربنا بيبتلي المؤمن والمؤمن مصاب ولازم تصبر على قرف الدنيا وبلاويها ، ثم ده قضاء وقدر إنك تقع تحت ايدي يا حسنين ، أنا أمرمط أمك على الأرض وانت ليك الجنة والحور العين في السما ، خد بقى على دماغك ، يا إدريس ، هات لي الحيوان ده متعلّق في الفلكة .
وحسنين نسى أو تناسى أن الساكت عن الحق شيطان أخرس ، ونسى أنه في الإسلام لو قتلك سارقك وأنت تحاربه دفاعا عن مالك أو شرفك فستموت شهيد . الصبر على البلاء وليس على الظلم أبدا .
التجارة
وهي ليست نصب ولا سرقة ، هي عمل شريف ولكن حتى العمل الشريف لا أحب أن يختلط بالدين لأن الدين والمال من وجهة نظري لا يجتمعان ، حينما يكون نشر ثقافة الدين الظاهري أساسية لترويج صناعة النقاب والخمار والحجاب والجلباب وبيع المسواك ومكّة كولا ومستخلص حبّة البركة وترويج للبرامج الدينية الإعلانية مدفوعة الأجرعلى الفضائيات ، الدين ليس تجارة ولا وسيلة للربح حتى وإن كان ذلك في إطار العمل الشرعي ، والسبب هو تجنّب الشبهات ، ما دام في الموضوع مال إذن ففي الموضوع مصالح إذن فلن يمكنك أن تفعل أو أن تقول من الدين ما يضر بمصالحك وبالتالي ستتنقي من الدين وكانه أوبن بوفيه ما يناسب مصالحك وتتجنب على الفور ما يضر بها . المثال على ذلك هو إعلان بادي كارينا الذي يحرّف في الدين ، إنه البادي المعجزة الذي يتيح للمحجبة أن ترتدي أي شيء وكل شيء طالما أن البادي كارينا تحته ، كان من السخف ومن القرف أن تظهر محجبات في الإعلان ، هذه تجارة دينية رخيصة ، المثال الثاني هو شركة الإنتاج لفني التي يقع مقرها تحت شقتي تماما وهددتهم أكثر من مرة بالإبلاغ عما يتسببون فيه من إزعاج للسكان من الساعة الواحدة صباحا وحتى مطلع الفجر ، في الفترة الماضية وبمناسبة المولد النبوي توقفوا عن تسجيل أغاني كوز المحبة إنخرم وتعالى بوسني تحت باطي وشرعوا في تسجيل اغنيات دينية رخيصة ومن ثم عادوا مرة أخرى لأغنية شراب حبيبي أبو أستك ، أكل العيش هو ركوب الموجة لذا لا داعي لخلط الأوراق .
المكاسب السياسية
لسبب ما أشعر بأن انتشار النقاب و الحجاب والجلباب وغيرها من مظاهر الدين الظاهري أو قشور الدين ما هو إلا بهدف تحقيق مكسب سياسي لجماعة ما أو حزب ما ، فهذا مؤشر جيد لمدى سيطرة هذه الجماعة على المجتمع كله ، وكلما انتشرت هذه المظاهر كلما أظهر ذلك نجاحا أكبر وكلما اصبح المجتمع مهيّأ لتقبّل أفكار هذه الجماعة ، بحسبة بسيطة جدا ، من هي المهيّأة بشكل أكبر للإنتماء إلى جماعة إرهابية تتخذ الدين وسيلة لها ؟ فتاة عادية على دراية حقيقية بأمور دينها ؟ أم فتاة منتقبة لا تعرف عن الدين سوى أن النقاب عفّة وطهارة وأن غير المنتقبات عاهرات ماجنات ؟ هذه تحديدا من السهل جدا تجنيدها وستراها قريبا ممسكة بكلاشنكوف في ميدان التحرير ، الفتاة المحجبة هي أول من ستهلل لوصول الاسلاميين إلى الحكم وستكون أول من تدعو إلى تجريم الرسم والموسيقى والتمثيل وقد بدأ هذا بالفعل ، الدين لا يجب أن يكون سجادة مفروشة لوصول جماعة ما إلى السلطة .
هذه مجرد أمثلة قليلة ، ولكن أعتقد انها قدمت أغلب ما يدور في ذهني .
عجن كل شيء مع الدين ، عجن الفساد مع الدين وتحويله إلى قضاء وقدر
عجن الإجرام مع الدين وتحويله إلى جهاد في سبيل الله
عجن التجارة مع الدين وتحويلها إلى دعوة اسلامية
إعجن أي شيء مع الدين ولسوف يبتلعه الناس ببساطة .
من كل هذا الكلام أقول وانادي وأتمنى وأرجو أن يفكّر الناس ، لا تقبل ما يقال لك في غير موقعه ، تفقّه في الدين ولا تترك أذنك لأي شخص ، لابد وأن تكون لك وجهة نظر في كل ما يتعلق بأمور دينك ، الموضوع سهل وبسيط ولكنه فقط يحتاج إلى قليل من الشجاعة وعدم تناول الدين باعتباره منطقة محظورة.
مثلا : لو أنت جرّاح تقوم بإجراء عملية جراحية حرجة وأتى ميعاد صلاة المغرب ، هل تترك المريض مفتوح البطن لتصلّي ؟ أنت تعلم أن الله لا يبارك في عمل يلهيك عن الصلاة ولكن هنا ياتي دور عقلك ، أنت ببساطة ذاهب للصلاة لتقتل إنسان ، يمكنك أن تصلّي بعد إجراء العملية ، ماحبكتش يا عم الشيخ التقي ، وتذكر أنه في الحروب الإسلامية كان الجيش ينقسم إلى قسمين ، قسم يصلّي والآخر يراقب ومستعد للقتال ، وبالتالي الجيش كله يصلّي ولكن بالتناوب . الجهل هو ما يجعل الدين أفيونة للشعوب وهو ما يجعل هذه الفكرة صحيحة في حين انها غير ذلك .
للأسف الشديد فإن الدين دون عقل أشد خطرا من الإلحاد ، الملحد العاقل أفضل ألف مرة من الجاهل المتديّن ، لأن الأخير يمكنه بسهولة أن يكون إرهابيا أو نصابا ، هذا لأن الجاهل لن يمكنه أن يكون متديّنا حقا !