المساواة في الظلم

يقولون أن المساواة في الظلم عدل ، وأقول مندهشا أن المسواة في الظلم هي منتهى الانحطاط والاستبداد والدكتاتورية بل منتهى الفجور ، كيف يفكر الشعب المصري ؟؟؟
من واقع تجربتي مع مشكلة المياه في عمارتي بدأت فكرة هذه التدوينة ، الشعب المصري يفكر بمنطق غريب جدا ، وهذا المثل القائل بأن المساواة في الظلم عدل هو أحد أوجه هذا التفكير الغريب الذي يحاول تبرير المصائب والنكسات والتعايش معها بمبدأ إشتغل نفسك ساعتها مش حتحس إن حد بيشتغلك .
أتذكر الآن مسرحية تجريبية ــ بالرغم من أنني أمقط المسرح التجريبي ــ اسمها الدنس ، تحكي المسرحية عن جيش دخل إحدى القرى وأغتصب كل نسائها إلا فتاة واحدة ظلت عذراء ، وبعد أن رحل المغتصبون ماذا كان رد فعل نساء القرية تجاه هذه الفتاة ؟ أمسكوا بها وفضوا بكارتها بأيديهن حتى تصبح مثلهن ، لماذا ؟ لأن المساواة في الظلم عدل .
هل تلاحظون هذا السؤال ؟ حينما تتعرض لمشكلة ما في الكلية أو العمل مثلا ويسألك أحدهم : هو إنت لوحدك اللي كده ولا كلكم ؟ فتجيب : كلنا ، فيقال لك : طب خلاص إنت زعلان ليه ؟
يا سلام ؟؟؟
هل هذا مبرر كافي للصمت ؟ هل لأن الجميع يأخذون الضرب والإهانة على أقفيتهم يصبح من الطبيعي أن تأخذ أنت ايضا على قفاك سعيدا راضيا مرتاح البال ؟ ماهو مش انا لوحدي يا عم ، إنت فاكر أنا لوحدي ؟ لاااا دي كل الناس بتاخد على قفاها .
هذه العادة الغبية والمتخلفة والمتأصلة للأسف فينا جعلتنا نخسر الكثير والكثير جدا من حقوقنا المغتصبة منا جميعا بالعدل والقسطاس ، جعلتنا نهاجم ونحارب دون وعي كل من يقف في وجه الظلم حتى يصبح مثلنا جميعا ، وتخيلوا معي هذا المشهد العبثي

.
البلطجي يضرب أهل حارته كل يوم على أقفيتهم عدا واحد ، يجتمع أهل الحارة للتشاجر مع هذا الشخص الذي لم يضرب ويضربونه هم على قفاه و : ايه الظلم ده ؟ إشمعنى إنت اللي مش بتاخد على قفاك يا جدع زينا ؟ طب خد بقى
بالرغم من أنهم يستطيعون أن يضربوا هذا البلطجي على قفاه وفي مناطق أخرى حساسة إن أرادوا ولكنه التفكير المشقلب الذي أدمناه .
وهناك نكتة سياسية شهيرة تقول بأن إدارة المرور قررت ضرب المواطنين على أقفيتهم على مطلع الطريق الدائري ، الشرطي يأمر السائق بالتوقف ثم يضربه على قفاه ويسمح له بالسير وهكذا ، حينما أجرت إحدى البرامج الفضائية حوارا مع السائقين لتسألهم عن مشاكلهم قال أحدهم : والله يا باشا إحنا بنتعب قوي في البلد دي ، مش معقول اللي بيحصل ده ، لازم يكتروا عدد ظباط المرور اللي بيضربونا على قفانا عشان بصراحة بنتأخر قوي في طابور الضرب .
هذه الدعابة الذكية بل شديدة الذكاء ترمي إلى أننا بالفعل نترك الكارثة الأساسية ونتعايش معها بالفعل ثم نشكتي من أداء المتسبب الأساسي في الكارثة أثناء تأدية جريمته .
نشتكي من طوابير العيش ، من المرور ، من الغلاء ، من ضعف الأجور ، من البطالة ، من الفساد ، من المرافق كلها بلا استثناء ، من أزمة السكن ، من التعليم ، من الصحة ، من التلوث ، من كل شيء
إلا من المتسبب الأساسي في كل هذا !!! نطالب اللص أن يسرقنا بالعدل ، نطالب المغتصب أن يفعلها بشكل جيد وبزمة وبضمير .